أطفالنا وثقافة الاستهلاك

عندما يتحول أطفالنا إلى ضحايا الاعلانات التجارية ..

 

عندما أشاهد القنوات التلفزيونية مع أطفال العائلة أتفاجأ بحجم الإعلانات التي تبث خلال عرض المسلسلات أو برامج الأطفال … إعلانات لألعاب للأسف ليست كلها مدروسة، أو إعلانات لمأكولات ومشروبات حتى أنا بشخصي الضعيف تجاه الأطفال أرفض شراءها أو إحضارها ولو كانت تقدم مجاناً .

باعتبار أنني شخصياً قد أكون من المصنفين كشخص استهلاكي فقد لا أكون أفضل من يكتب أو يتحدث عن ظاهرة التأثير السيء للإعلانات التجارية التي تروج لثقافة الحياة الاستهلاكية ودخولها في تفاصيل حياتنا اليومية ولاسيما في تفاصيل طعامنا .. إلا أنني بالتأكيد غير راضية عن استغلال منفذي الحملات التجارية لبراءة أطفالنا لتشجيعهم ومنذ نعومة أظافرهم على اتباع النمط الاستهلاكي للحياة. واستخدام براءتهم سواء لمخاطبتهم أو مخاطبة الغير من خلالهم  لتشجيعهم على إدمان نمط حياة غير صحي وغير سليم بكل المقاييس سواء فيما يتعلق بالعيش ضمن العوالم الافتراضية التي باتت بديلاً عن حياة واقعية مفرداتها عائلة وأصدقاء وطبيعة، أو الطعام  المسموم  المشبع بالمواد الحافظة والملونات الصناعية و قائمة طويلة من المواد الكيماوية التي أصبحت تدخل إلى بيوتنا سواء رضينا أم رفضنا ..

إننا نرى هذه الإعلانات وهي تتسلل إلى حياتنا بعمق لتتقلص معها مساحة البراءة التي نملكها، وبطرق لاندركها تقوم بتغيير وجهات نظرنا حول العالم وتغير قيمنا وتؤثر حتى على لغتنا. لكن هل نستطيع أن نمنعها، وكيف؟

قد تحتج المؤسسات التجارية التي تدافع عن سحر فن الإعلان بأن من لا يريد الإعلانات فإنه ليس ملزماً بالنظر إليها .. ولكن هل هذا ممكن؟؟

يتحدث جورج مونبيوت في مقال له جدير بالدراسة والتعميم على الأهل وصانعي القرار ومسؤولي التربية عن مخاطر الإعلانات الموجهة إلى الأطفال وغياب أو قصور الوسائل المتبعة لحماية الأطفال منها.

ففي بريطانيا على سبيل المثال يمنع بث الإعلانات التي تحوي على الأطعمة غير الصحية أثناء الفترة المخصصة لعرض برامج الأطفال، ويتساءل مونبيوت: هل يكفي هذا ؟؟؟

يتحدث المقال عن تجربة قامت بها شركة تدعى TenNine بوضع اعلانات في الممرات والغرف العامة لـ 750 مدرسة بريطانية ومن ضمن زبائنها شركات مثل : نايكي، يونيليفر، أديداس، أورانج تيسكو وغيرها. أوضحت التجربة درجة التأثير الكبير للمنتجات الإعلانية الموجهة مباشرة للأطفال من عمر 11 سنة ولغاية 18 سنة، حيث تشير الإحصائيات بأن الإعلانات الطرقية ترفع من نسبة معرفة منتجات الشركة المعلنة بنسبة 28 % للأشخاص الذين يشاهدونها، في حين تصل نسبة مشاهدة الملصقات في المدارس وبحسب الشركة التي نفذت التجربة إلى 80 %.

إلى جانب ذلك فهنالك المواقع الالكترونية و الألعاب و الشبكات الاجتماعية والتي أصبحت تشكل مرحلة اعلانية جديدة، حيث تقدم للأطفال الألعاب والتسلية والجوائز الافتراضية، مقابل تعرضهم لجرعات مكثفة من الإعلانات مما يضمن تحولهم في المستقبل إلى أهداف سهلة، وكل هذا يقدم تحت ستار الحرية أو المتعة. وعندما يحاول بعض الآباء والأمهات وضع حدود لهذه المتعة فغالباً ما يتم تصنيفهم على أنهم جيل قديم من قبل الأطفال المشبعين بثقافة الاستهلاك.

يذكر جورج مونبيوت  في مقاله حقيقة علمية أشار إليها أحد منفذي الإعلانات التجارية:  قد يملك الكبار بعض الوسائل الدفاعية، لكن الأطفال ليسوا بالغين بقامة قصيرة، فعقولهم مختلفة بشكل أساسي، والاختلاف الأهم أن تطور النصف اليساري للدماغ لا يكتمل إلا عند بلوغ الثانية عشر من العمر .. هذه المعلومة ضرورية لأنه بدون تدخل الجزء الصحيح من الدماغ فإن جميع القرارات والمفاهيم تكون إما أبيض أو أسود. فلو جلست مع طفل أثناء مشاهدة الاعلانات التجارية في التلفاز فسوف تلاحظ التأثير القوي والفوري للرسالة الإعلانية :أريد هذا ! أو هل من الممكن أن أحصل على هذا ؟ أو أنا بحاجة إلى هذا .. هذه الكلمات تخرج من أفواه الأطفال فيما يبدو مع كل رسالة اعلانية، وهم يعنون ما يقولون فهم لايملكون أي وسيلة دفاعية تجاه هذه التأثيرات

هؤلاء الأهداف التي لاتملك أي مقومات دفاعية يتم اقناعهم بمثابرة وقسوة في حين يفشل الأهل أو حتى القوانين الحكومية في حمايتهم.

والنتيجة أننا بدأنا نفقد أطفالنا وأصبحنا أقل قدرة على التواصل معهم، بدأنا نفقد قدرتنا على توجيههم وابداء النصح لهم، حتى مصداقيتنا وقدرتنا على ابقائهم في مأمن وصحة باتت موضع شك، والأسوأ قدرتنا على إبقائهم سعداء على المدى الطويل.

وفيما تتصاعد حملات الشركات للترويج لمنتجاتها بشتى الطرق والوسائل، وتعجز الحكومات عن ردعها بأي وسيلة فعالة، لا يبقى أمامنا سوى أن يتحمل كل منا المسؤولية تجاه رعيته وأن يبادر لإيجاد الطرق المناسبة لحماية أطفاله من الوقوع في أوهام الحياة الاستهلاكية، وعلى الآباء والمربين وجميع المهتمين التكاتف والعمل معاً في حملات ضد الإعلانات الموجهة للأطفال بكافة أشكالها.

إننا الآن بأمسّ الحاجة إلى أفراد أحرار الفكر، قادرين على التمييز بين الصواب والخطأ، وعلى بناء علاقات صحية مع عائلتهم  ومجتمعهم وبيئتهم، بعد أن أصبح الطفل العربي مستهلكاً منذ الولادة، مسلوب الهوية، ضائعاً بين تربية عائلية ومجتمعية وفضاء مفتوح على كل شيئ، ضعيف تجاه غزو خارجي لثقافته وقيمه، مدمن على ماتعرضه شاشات التلفاز والكمبيوتر.

قضايا برسم الآباء والأمهات والخالات وكل من يود أن ينشئ جيلاً يرسم المستقبل بصورة أجمل من اليوم وأكثر إشراقاً.