البحر الكيماوي

مترجم – المقال الأصلي هنا

إننا نحول محيطاتنا إلى ” حساء كيماوي ” – والنتيجة هي البؤس والموت لبلايين الكائنات الحيوية و أضرار خطيرة على صحتنا .

عندما نقوم برمي الأشياء بعيداً ، علينا أن نسال أنفسنا: أين هو الـ ” بعيداً ” ؟ ببساطة مخيفة أجيب أن أحد مواقع الـ ” بعيداً ” هي المحيطات . فالمنتجات البلاستيكية المصنوعة من النفط على سبيل المثال تنتهي في محيطاتنا حيث تبدأ تدريجياً بالانقسام إلى أجزاء صغيرة فأصغر وأصغر ، على الرغم أن هذا التجزء قد يبدو لك أمراً جيداً ، ولكنه في الحقيقة يعني بأن هذه المخلفات أصبحت جاهزة أكثر لتكون طعاماً للأسماك ، الدلافين ، الحيتان ، السلاحف ، الطيور ، والعديد من الكائنات الحية الأخرى . وللعلم فإن الجزيئات البلاستيكية لاتختفي فعلياً ، البلاستيك يتناقص بالحجم إلى أن يبدو كالعوالق ” Plankton” لدرجة أن المخلوقات البحرية تتنافس للحصول عليه ، والأسوأ من هذا أنه في بقاع معينة من المحيط أصبحت نسبة البلاستيك مقابل العوالق الحقيقية هي  6 : 1 ومرشحة للزيادة .

إذا كان مصطلح التراكم الأحيائي ‘bio-magnification’ غير مألوف بالنسبة لك فاسمح لي أن أبين أنه يدل على تراكم  نسب من مواد كيماوية معينة ” ذات درجات سمية ” ضمن سلسلة الغذاء البشري .

أحدث الدراسات أكدت أن هذه المواد ليست فقط تشكل خطراً بحد ذاتها، وإنما تقوم أيضاً بعملية جذب وارتباط مع مواد أخرى مؤذية من المياه لتكوّن مزيجاً ذو سمية عالية وبالتالي خطراً أشد.

ماهي نسبة تواجد هذه المواد في العالم ؟ نظرة إلى ” الجير  gyreالبحري ” شمال المحيط الهادئ تعطينا الجواب :

هناك بركة دائمة من البلاستيك في المحيط الهادئ تقارب حجم أفريقيا تقريباً بمساحة 10 مليون ميل مربع ،6 أرطال من البلاستيك هناك مقابل 1 رطل  من الكائنات الحية . البلاستيك هناك يصل إلى الشواطئ كما في الجزيرة الكبيرة في هاواي محولاً الشاطئ إلى مكب نفايات. شارلز مور قبطان سفينة Alguita شاهد هذه المخلفات  البلاستيكية عند جزر هاواي، وعلى أثر ذلك أنشأ مور “مؤسسة مور للبحوث البحرية” تاركاً وراءه عملاً مزدهراً ومنزلاً في لونغ بيتش واقلع في رحلة بحرية تبلغ 7500 ميل وما وجده كان البلاستيك في كل مكان .

 مستخدماً شبكة محكمة الشد اكتشف أجزاء بلاستيكية متناهية الصغر ، بعضها لايكاد يرى بالعين المجردة تبدو كطعام للأسماك في المياه. قام هو الباحثون الذين يعملون معه بقياس وتصنيف النماذج التي حصلوا عليها ليصلوا إلى الاستنتاج التالي : من خلال الوزن فإن هذه البقعة من البحر تحتوي على بلاستيك أكثر بستة مرات من العوالق .

بقدر كون هذه الاحصائية مخيفة للحيوانات البحرية يقدر ما يجب أن تكون أكثر رعباً بالنسبة للإنسان، فكلما كان التلوث عاماً وغير مرئي كلما زادت الفرصة بأن ينتهي داخلنا. هناك أدلة متنامية و مزعجة  بأننا نبتلع سموماً بلاستيكية بشكل أكثر اطراداً. وحتى لو كانت الجرعات ضئيلة جداً فهذا لا يمنع أن مثل هذه المواد يمكن أن تحدث خللاً بعمل الجينات الوراثية .

أكثر من 120 مليون رطل من الـ ” راتينج ” البلاستيكي أنتجته الولايات المتحدة لوحدها – لكن أقل من نصف هذه الكمية فقط  تتم إعادة تكريره . في الحقيقة البلاستيك ليس كالزجاج ولايمكن إعادة تدويره بشكل كامل.

هذه الحقيقية مؤسفة بدرجة كافية لجعلنا نستخدم القارورات الزجاجية القابلة لإعادة التصنيع بشكل كامل وبسهولة: نستخدم الزجاجة ثم يتم صهرها وصنع أخرى ، بينما في البلاستيك فإن عملية التدوير اكثر تعقيداً.

للأسف، مثلث الأسهم الموضوع على المنتج (رمز إعادة التدوير) لا يعني دوماً الاستعمال الدائم، إنه يشير فقط إلى نوع البلاستيك الذي صنع منه المنتج. ومن بين السبعة أنواع شائعة الاستخدام من البلاستيك اثنتان فقط منهم : PET (تحمل الرمز #1 داخل المثلث وتستخدم في صناعة زجاجات المياه الغازية) و HDPE (تحمل الرمز #2 داخل المثلث وتستخدم لعبوات الحليب وعبوات المنظفات وغيرها) يمكن إعادة استخدامها بعد الاستعمال. وبالتالي بغض النظر عن الكيفية التي ترمي بها علب الرقائق وعبوات الشامبو في الحاويات فإن معظمها سيصل إلى مقالب النفايات والقليل فقط سوف يعاد تصنيعه .

 ” لايوجد طريقة قانونية لإعادة تكرير عبوات الحليب لصناعة عبوات حليب جديدة بدون إضافة طبقة جديدة من البلاستيك ” كما يقول مور ، مشيراً إلى حقيقة أن البلاستيك يذوب في درجة حرارة منخفضة فإنه يحتبس الملوثات داخله بالإضافة إلى البقايا الملوثة من المواد التي كانت ضمن العبوات، فإذا رفعنا درجة الحرارة للتخلص من هذه الملوثات فإن بعض أنواع البلاستيك تطلق غازات قاتلة. لهذا فإن المواد المعاد تكريرها غالباً ما تستخدم لصنع منتجات جديدة مختلفة تماماً لا تقترب أثناء استخدامها من أفواهنا مثل: سترات النجاة، السجاد. فبعكس الزجاج القابل للتدوير، المعادن أو الورق فإن إعادة تكرير البلاستيك لا تؤدي بالضرورة إلى استخدام كمية أقل من البلاستيك الجديد، وكون البلاستيك الجديد قليل التكلفة يجعل هذا إعادة التكرير غير مجدية. 

هذا مثال واضح عن تصنيع منتجات بدون التفكير بدورة الحياة الكاملة. كلمة “الدورة” هنا هي الكلمة – المفتاح لأن المنتج لا يذهب فعلياً ” بعيداً”. أنواع عديدة من البلاستيك أقل كثافة من الماء، وهذا يعني أنها تطفو بسهولة مما يجعلها قابلة للانتقال عبر مئات بل آلاف الأميال مع تيارات مياه الأنهار ومن ثم إلى المحيطات. يمكن للبلاستيك أن يطفو لعقود ويبدأ بالانقسام إلى اجزاء أصغر فأصغر ويتم استهلاكه من قبل الأحياء المائية، أو ربما ينتهي بالغرق في قاع المحيط مكوناً رواسب غير طبيعية وسامة تؤثر في أنظمة بيئية لا نعرف عنها إلا القليل.  

إذا كان لدينا اليوم نسبة 6: 1 من البلاستيك مقابل العوالق البحرية فكيف يكون الوضع إذا استمرت دول مثل الصين ، الهند ، وأمم آسيوية أخرى في نموها السريع ؟

يعتمد أكثر من 4.2 بليون شخص على الطعام البحري كمصدر أساسي للبروتين الحيواني الذي يحتاجونه ، تيارات المحيط وتنقلات وهجرات الطيور والحيوانات البحرية يمكنها أن تكون عامل نقل لمواد سمية إلى جميع أرجاء العالم ومن ثم إلى عشاءنا !

لايستطيع العلماء بدقة تحديد عدد المخلوقات التي ستعاني أو تموت بسبب حياتها في بحار تزداد تلوثاً باطراد، ولكن بعض الدراسات الحديثة – وغير الحديثة-  المرعبة تقول أنه لا يمكن الآن الإمساك بسمكة أو بطعام بحري غير ملوث بمواد سمية .

 ” باستثناء كميات ضئيلة تم حرقها – وهي كمية قليلة جداً –فإن كل قطعة بلاستيك صنعت لا تزال موجودة إلى الآن” يقول مور واصفاً كيف أن بنية جزئيات المادة تقاوم التفسخ الحيوي. بدلاً من ذلك فإن البلاستيك يتفتت إلى أجزاء أصغر أثناء تعرضه إلى ضوء الشمس والعوامل الجوية الأخرى ، وهذه الأجزاء لن تختفي قريباً، وحتى لو تحلل البلاستيك إلى جزيئات فإنه سيبقى عصياً عن التفسخ الحيوي .

 الحقيقة أنه لا أحد يعلم كم يستغرق البلاستيك ليتحلل، أو يعود إلى عناصره الأساسية من الكربون والهيدروجين. لقد اخترعنا هذه المادة منذ 144 عاماً مضت، والتخمين الأفضل الذي توصل إليه العلم بأن اختفاؤه الطبيعي سوف يستغرق عدة قرون أخرى، خلال ذلك نقوم في كل عام بإنتاج حوالي 60 بليون طن إضافي من البلاستيك، والقسم الأكبر منها سيصبح مواد مستهلكة مخصصة للاستعمال لمرة واحدة فقط . إننا نصنع كل شيء من البلاستيك دون اعتبار للنتائج التي تؤدي إليها. تذكر: البلاستيك لا يختفي أبداً !

 نحن لانستطيع إزالة البلاستيك الموجود الآن في المحيطات، ولكن بإمكاننا الامتناع عن إضافة المزيد، وهذا ما يجب أن نفعله

هذه الأخبار السيئة تتضمن خبراً جيداً، لقد بدأت المعلومة بالانتشار، وبدأ الناس يشعرون بحماقة صنع عبوات لاستعمال واحد فقط مثل ( أكياس النايلون التي تستخدم بمعدل 12 دقيقة قبل أن يتم التخلص منها في بيئتنا ) حيث تصبح مواداً قاتلة مرة تلو الأخرى . العديد من الدول بدأت بحظر استخدامهم أو التقليل من الاستخدام بفرض غرامات على المستخدم .

من هذه الدول التي طبقت المنع التام : بنغلاديش ، أيرلندا ، تايوان ، فرنسا ، غرب البنغال ، تنزانيا ، سويسرا ، رواندا ، الباكستان ، الدنمارك،  ألمانيا ، جنوب أفريقيا ، إيطاليا ، أوستراليا ،

من هذه الدول التي منعت استخدام الأكياس في السوبرماركت : الهند ( منع في مناطق منها مومباي ) ، الصومال ، بوتسوانا  الفليبين ، أوغندا ، كينيا ، اليابان ، تركيا ، إريتريا ، إثيوبيا ، غينيا الجديدة ، بلجيكا ، كويا الجنوبية ، سنغافورة ، السويد ، مالطا .  

أرجو أن تبقى الحقائق التي ذكرتها ماثلة في أذهانكم طوال اليوم ربما يساعد هذا على التغيير المنشود ..

 

ترجمة:  سامية عطار