المال والتنمية المستدامة

 BY  & FILED UNDER WHY PERMACULTURE

   على الرغم من قيمة المال كشيء مادي مهم، إلا أنه ليس العامل الوحيد المحفز لاعتماد نمط الحياة المستدامة. عندما أقول للناس خطتي لإنشاء منزل صغير في مكان ما، وبناء هذا المنزل، وزراعة المحاصيل الغذائية فإن أول ما يسألون عنه هو كيف ومن أين المال. ويعتقد معظمهم أن الفكرة تعادل الرغبة في بيع الأشياء في سوق المزارعين من أجل “العيش” وكسب المال. بالنسبة لي، فإنه قطعاً ليس كذلك.

لسوء الحظ، هذا لا يعني أنني لست بحاجة إلى أي أموال. زوجتي إيما وأنا قد وفرنا مبلغا متواضعا لشراء بيت، وقد بدأنا بالبحث عن كل ما هو جيد وموفر للبدء في البناء والعمل أيضاً على بناء حديقة لنا، الخ ونحن نخطط أيضا لتوفير مصدر دخل جاري، ولكن نمط الحياة المستدام الذي اعتمدناه ونسعى للاستمرار من أجله مبتغاه أن المال لا يزال له قيمة، ولكن لا تتمحور حوله الحياة لا تتمحور.

كلما شرحنا أهدافنا للآخرين، يصبح بالنسبة لنا ولهم الأمر أكثر وضوحا فيما بتعلق بأن المال ليس له نفس الدور في حياتنا والذي تمليه النظم الحديثة علينا. “العمل” لا يقوم فقط على كسب راتب؛ بدلا من ذلك، نحن نخطط للعمل من أجل المال الذي يدفع ثمن: الغذاء والمأوى والطاقة، وما إلى ذلك، لكن بالنسبة للعض الرفاهيات في الحياة، فإنها تعني التخلي عن أشياء تبدو عبئاً ثقيلاً مثل اقتناء التلفاز والأيفون الذين لا يقدمون أشياء هامة إضافية لحياتنا، بل إنهم يزيدون الفواتير علينا.

الصورة بتصريح من: Courtesy of the USDA

التفكير في لماذا نحتاج المال

عندما تتحدث إيما عن العيش ببساطة وعن تناول الطعام الذي نزرعه، وعن بناء منزل صغير بأنفسنا، وعن الشبكات الموجودة خارج الشبكة المحلية، فإننا نفعل ذلك بجهد واعي جدا نحو الحد من الحاجة إلى المال. وفي حين تقتصر ميزانيات الكثير من الناس على حسابات التقاعد والادخار، فإننا نعتقد أننا نستثمر في شيء أكثر قيمة واستقرار، والتي تتمثل بمصادر دائمة للأغذية ومكان مريح للعيش وطاقة منخفضة التكلفة، باختصار هذه الأشياء تعتبر الجزء الحقيقي من حياتنا الآن وبعد التقاعد.

هذا النمط من التفكير، يعني أن هذه المهنة المربحة متوفرة في متناول الجميع، بحيث تجنبك العمل بدوام كامل، وتوفر عليك الوقت والطاقة اللازمة لإنجاز المهام الهامة الموكلة إلينا من الشركة ومجلس الإدارة. إذا قضينا كل وقتنا في العمل مع شخص آخر، فكيف سنعمل على تلبية احتياجاتنا الخاصة؟ إذا لم يكن لدينا الوقت للعمل نحو تلبية احتياجاتنا الخاصة، سنكون مضطرين لدفع المال لشخص آخر للقيام بذلك بدلاً منا.

المال جيد بمقدار الأشياء التي نشتريها به. إن شراء الأغذية العضوية التي تنمو بشكل مستدام يعتبر أمراً مكلفاً بشكل لا يصدق، ولكن نحن لسنا مهتمين في تناول الطعام غير الصحي، والمعالجة. المنازل الكبيرة باهظة الثمن، تستهلك الطاقة بشكل كبير جداً، إذا نحن لا نريد تلك المنازل الضخمة، كما أننا لا نريد المواد التي يمكن الاستغناء عنها لأنها مضيعة للمال والوقت، وغالبا ما تكون ضارة. باختصار المال لا يشتري كل شيء، وإنه لا يشتري بالضرورة ما نريد.

هذا لا يعني أننا لا نحتاج إليه في بعض الأحيان، فلا يمكننا شراء قطعة أرض بدونه، لا يمكننا شراء الألواح الشمسية أو مواد البناء المعاد تصنيعها، لا يمكن أن يكون لدينا شاحنة للمزرعة للوصول الى المدينة من وقت لآخر، أو التأمين، أو البنزين. ولكن، ما يمكننا القيام به هو التقليص من تلك التكاليف مع مرور الوقت، وأن نبذل قصارى جهدنا لإطالة عمر الأشياء، والبقاء بعيدين عن الديون، وتجنب البحث عن وسائل الراحة والرفاهية.

الصورة بتصريح من: Courtesy of proby458 (Paul)

التجارة ونوعية الحياة

ان مفاهيم الزراعة المستدامة لا ترفض تماما تلك الأشياء التي تجعل حياتنا “أسهل”، ولكن أعتقد أننا يجب أن نعيد تعريف ما هو أسهل. والحقيقة أن أربعين ساعة في العمل المكتبي، وإن كان أقل جهدا من حيث العمل البدني، فإنها لن توفر لنا أفضل صحة أو منازل أكثر سعادة. في الواقع، فقد أنشأت في عصرنا الحالي الصالات الرياضية، والوجبات السريعة، وأدوية الاكتئاب. معظم الناس في الوقت الحاضر لا تتابع التلفاز، ولا تقتني الأجهزة الذكية وقد بدأت حياتهم بالتحسن بالفعل. وأعتقد أن عدد قليل جدا من الناس يرغبون في البقاء على استخدام شبكات الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ومكاتب العمل.

هذا لا يعني أن الحياة خارج هذه النظم هي بالضرورة ورود وأشجار التفاح. إن زراعة الغذاء وتخزينه وإعداده يستغرق وقتا طويلا ويتطلب عملا كبيرا. تصميم منزل بالطاقة المتجددة يستغرق وقتاً في الدراسة ويستهلك الطاقة العقلية، وإنشاء بناء واحد ينطوي على الكثير من الصبر والمهارة والعمل. ثم، في النهاية، الحدائق لا يمكن بالضرورة أن توفر لنا كل ما نريده على الطلب كما هو بالنسبة للسوق والسوبر ماركت، والمنازل الموفرة للطاقة لن تسمح لنا بمساحة كبيرة أو التحكم في الحرارة، لكن الأهم هنا هو أننا سوف نعمل على خلق حياة مختلفة وجيدة عن الآخرين.

والمشكلة التي واجهتها في كثير من الأحيان، ويبدو أن الكثيرين واجهتهم أيضاً، أن الجهد الذي أبذله الآن يبدو كأضعاف مضاعفة للمرتب الذي سأحصل عليه. إذا كان الغرض من العمل هو الحصول على المزيد من الأموال، إذا كان هذا العمل لا ينتج عنه أشياء جيدة للعالم أو لي ولعائلتي، إذن ما هي الفائدة؟ وبالمثل، إذا التلفزيون والحواسيب والهواتف الذكية يصرف اتصال الإنسان الحقيقي عن نمط حياة نشط وصحية، إذن أين هو التعادل؟ ولماذا لا أعتقد أن هناك أحدا يفضل قضاء الوقت وبذل الطاقة على الأشياء الصحية، والأسرة، والبيئة النظيفة (المنزلية والطبيعية)، والتحسين الذاتي – الذي من شأنه أن يزيد من جودة حياتك نفسها، وجودة حياة من حولك.

نرى أنا وإيما أن هذا نمط حياة كاملة مليئة بالفوائد. إن متابعة الحديقة والطبخ من موادها الطبيعية يعني الحفاظ على النشاط البدني ووجود مواد غذائية خالية من المواد الكيميائية، فضلا عن الاستغناء عن كسب المال لدفعه للصالات الرياضية الشهرية أو المنتجات الغذائية. إن بناء منزل صغير يتسم بالكفاءة في استخدام الطاقة يوفر إحساسا بالفخر والتقدير والاعتماد على الذات، بدلا من الاعتماد فقط على أسواق الصناعة والعقارات. إن مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة تكلفتها أقل مع الحفاظ على العالم من حولنا بشكل أفضل. ما علينا القيام به هو توفير هذه الأشياء لأنفسنا، بدلا من مجرد دفع ثمنها، ويهدف إلى تحسين أعمالنا وتحسين نوعية حياتنا من حيث الأشياء التي لا جدال فيها: الهواء الذي نتنفسه، والطعام الذي نأكله، والمكان الذي ننام فيه. وأعتقد أن هذه الأمور لها الأسبقية على الراحة المستمرة.

الصورة بتصريح من: Courtesy of Christine und Hagen Graf

طريقة مختلفة للعمل والدفع

لا شيء من هذا يعني أننا ليس لدينا وظائف أو لا نستخدم المال، فأنا أعمل في هذه الأثناء أعمل كمدرس مساعد باللغة الإنجليزية في كلية المجتمع وكاتب مستقل لعدة مواقع، وكلاهما من مؤهل لمزاولتهم. أما بالنسبة لإيما فقد حصلت للتو على وظيفة بدوام جزئي كمعلم على الانترنت. لأننا لا نملك عقد سيارة، وفواتير الهاتف، ونحن بحاجة إلى رأس المال بشكل أقل. لأننا نادرا ما نتناول الطعام خارجاً و نطهو في الغالب من المكونات الموجودة لدينا، وننفق أقل على محلات البقالة، على الرغم من أننا ما زلنا بحاجة إلى شراء بعض المنتجات العضوية.

في الواقع، هناك الكثير من النفقات القادمة. سوف ننفق الجزء الأكبر من مدخراتنا على قطعة من الأرض قريبا، ولكننا لا نخطط لسحب قرض. وسوف ننفق المزيد من مدخراتنا على تطوير تلك القطعة، ولكن هذه التكاليف ستقلل من خلال قيامنا بالكثير من العمل بأنفسنا وتنظيمه بما نستطيع تحمله. سننفق المال على شاحنة صغيرة مستعملة، وهي سيارة منفردة، تساعدنا في نقل المواد وتحملنا إلى المدينة لشراء الحبوب الكبيرة والإمدادات، وعلى الرغم من أننا سنشتري شيئا مستخدم، ولكنه أكثر كفاءة في استهلاك الوقود، فإنه سيتم أيضا إضافة تكلفة التأمين والصيانة. سنحتاج إلى اتصال بالإنترنت للعمل وخارج شبكة امدادات الطاقة لتشغيل ذلك. ببساطة، نقوم بتقييم ما هو مطلوب و زائد عن الحاجة لأن المال بالتأكيد سنتشاركه في مستقبلنا القريب.

ما نأمل ونعمل عليه هو أن المال لا يصبح محوريا في ذلك المستقبل. ونأمل في تنوع مصادر الدخل: الكتابة، التدريس، تنظيم ورش العمل، تقديم التخييم، تقديم الجولات، بيع الفوائض كمنتجات، التقاط الوظائف الغريبة والموسمية. وبهذه الطريقة، يمكننا متابعة مصالحنا بدلا من سلم الشركات، ويمكننا العمل من أجل تحقيق أهداف حقيقية بدلا من المرتبات الأعلى. عندما يتم الوصول إلى الأهداف والحديقة الغذائية، والمنزل، والأعمال التجارية الصغيرة الخاصة بنا، والحاجة إلى المال وكمية العمل تتقلص، في مقابل الوضع الحديث المعتاد الذي فيه الرواتب الأعلى مساوية لمزيد من الجهد وساعات العمل على زيادة جودة الحياة.

الصورة بتصريح من:  Courtesy of Patrick Kuhl

المال والتنمية المستدامة

فالناس يدركون كيفية كسب الرزق من خلال التنمية المستدامة، ولكن ربما تكون النقطة، على الأقل إلى حد ما، هي إزالة تلك المطالب المالية قدر الإمكان. يجب أن يكون أسلوب الحياة التنمية المستدامة أكثر من مجرد تحقيق ربح، إذا كان ذلك دائما على الإطلاق. وبالنسبة لي، فإن التفكير بالدخل في المقام الأول من بيع المحاصيل المزروعة بشكل مستدام يبدو أبعد من ذلك. إن الإدراك بأننا لا نحتاج إلى مصدر دخل واحد هو أكثر أهمية. ثم، إذا فشل شيء، لا يضيع كل شيء:

كذلك، فإن ترشيد الأموال لا يوفر فعلا احتياجاتنا وهو أمر بالغ الأهمية لما نقوم به كممارسي التنمية المستدامة. وبهذه الفكرة، علينا أن نتعلم توفير هذه الاحتياجات التي يمكن التحقق منها قبل أن نؤكد على الرفاهيات التي تلتهم الآن معظم “العيش” الحديث. نحن لا نحتاج دائما إلى الإصدار الجديد، والترقية، أو الإشباع الفوري. والواقع أن مفاهيم التسويق هذه هي التي خلقت النظام الاقتصادي المدمر – سواء على الصعيد الشخصي أو العالمي – حيث أصبح معظمنا متشابكا الآن. المال هو فقط أداة، والذي يشتري الكثير من الأدوات فقط. لذلك فإن الأموال ليست هي الهدف النهائي الذي نسعى لأجله.

وبعبارة أخرى، نحن نسعى لتنويع دخلنا، وذلك باستخدام عدد لا يحصى من المهارات والامكانات، ونحن نتطلع إلى الاعتراف بأن الدخل أكثر من مجرد رصيد حساب مصرفي أو المنتجات التي نشتريها. وبالنسبة لنا، أعتقد، أن الزراعة المستدامة ككل، هي التي تفصلنا عن الاقتصاد الذي يركز على النقد، الأموال هي جزء من الهدف النهائي، لكنها ليست محور الحياة.

الصورة الرئيسية بتصريح من: Courtesy of TaxCredits.net

ترجمة: هادية محيسن